آنا الطفله الغير شرعيه بقلم وفاء سلطان
عام 1932 ولدت الطفلة الأمريكية آنا Anna في إحدى قرى ولاية بنسلفانيا النائية كثمرة لعلاقة غير شرعية.
كان جدها، والد أمّها، فلاحا كاثولكيا متعصبا. رفض آنا رفضا قاطعا، ولكي يتفادى رؤيتها بعد أن هربت والدتها وتركتها في رعايته قام بسجنها في إحدى غرف المؤونة القابعة في الطابق العلوي لبيته، والتي لا تحوي أية نافذة باستثناء طاقة صغيرة يدخل منها الهواء وبعض أشعة الشمس.
لم يسمح لأحد برؤيتها، وكان يلقي لها الطعام والشراب وينظف قازوراتها وهي تغط في نومها.
عندما بلغت آنا السادسة من عمرها، وبالصدفة المحضة، اكتشفها بعض المارة فأبلغوا السلطات المسؤولة عن حماية الأطفال في الولاية.
هاجم البوليس بيت الجد وعثروا على الطفلة. لم تكن آنا آنذاك سوى شبحا لا يملك من صفات البشر سوى العظم والجلد.
تلقفها علماء النفس والإجتماع وبدأوا يدرسون حالتها. لم تستطع آنا أن تتفاعل معهم إلا من خلال صوت غريب كان يصدر عنها بين الحين والآخر.
بعد دراسة كافية وافية، اكتشفوا أن ذلك الصوت ما هو إلا صوت هدير القطار الذي كان يمرّ على بعد ميل واحد من بيت جدها مرتين في اليوم، والذي يبدو أنه الصوت الوحيد الذي سمعته خلال حياتها.
تفرغت عالمة نفس أمريكية لدراسة حالة آنا، وحاولت بكل جهدها أن تعيد تأهيل تلك الطفلة، لكن محاولتها باءت بالفشل، وماتت آنا بعد ثلاث سنوات من إكتشافها.
استنتج علماء النفس والسلوك، من خلال قصة آنا والتجارب الأخرى المماثلة، على أن الإنسان لا يولد إنسانا وإنما مخلوقا قابلا للتأنيس.
يتميّز الإنسان عن غيره من الحيوانات بملكاته الجينية التي تؤهله على أن يتبرمج لاحقا من قبل المحيطين به. لكن عندما لا يتم استخدام تلك الملكات، كما في حالة آنا، يهبط الإنسان إلى مستوى أدنى بكثير من مستوى أي حيوان آخر.
كانت آنا في حالتها تلك أدنى سلوكيّا وعقليّا وعاطفيّا من أي حيوان آخر. لم تكن في عامها السادس قد تبرمجت بعد لتعيش حياة البشر، ولذلك فشلت وماتت عندما تطلّب الأمر منها أن تعيش كإنسان.وبهذا اثبتوا ان الانسان لا يولد بالفطره .
***.
..............
منذ آلاف السنين أكد أرسطو على أنّ الإنسان يتعلم الأخلاق عن طريق التقليد، فهو يقلد ما يفعله غيره، ومع الزمن يتحول السلوك عن طريق التكرار إلى عادة متأصلة.
هذا ما أكده أرسطو، ولم يختلف معه أي من علماء السلوك حتى تاريخ اليوم، باستثناء أنهم أضافوا على أنّ الإنسان يتعلم السيّء أيضا، وليس فقط الأخلاق، عن طريق تقليد الآخرين.
أطلقوا على عملية التقليد تلك تعبير Internalization أي 'التشرب'، والذي يعني أن الإنسان يتشرّب قيم الوسط الذي يعيش فيه. يتم معظم التشرب خلال السنوات الأولى من العمر ويستمر حتى آخر يوم منه.
فالإنسان يعيش حياته بكل مراحلها كالإسفنجة التي تمتص محتويات الوسط الذي توجد فيه بخيرها وشرها.
لم تستطع آنا أن تمتص من وسطها سوى صوت القطار، ولذلك عجزت على أن تظهر من معالم إنسانيتها سوى قدرتها على تقليد ذلك الصوت.
ومن خلال دراسة ذلك السلوك بالتفصيل، لاحظ العلماء بأنّ الإنسان يقلد كل من حوله، ولكنه يختار عادة شخصا ما في حياته ويعتبره مثله الأعلى، ثمّ يمتص منه أكثر مما يمتص من غيره محاولا أن يتبنّى شخصيته دون سواها.
تتمّ عملية اختيار المثل الأعلى Role Model ومحاولة تقليده بالوعي أو باللاوعي، وتدعى تلك العملية في علم السلوك Identification أي التقمّص.
كان القطار الكائن الوحيد في حياة آنا، ولذلك لم يكن أمامها من خيار سوى أن تختاره كمثلها الأعلى، ثمّ حاولت أن تتقمص شخصيته بتقليدها لصوته كقيمة وحيدة اكتشفتها فيه.
هناك حقيقة أخرى مثيرة للدهشة توصل إليها هؤلاء العلماء في سياق دراستهم لمفهوم 'المثل الأعلى'، وهي أنه كلما ازدادت شهرة شخص ما كلما ازداد احتمال أن يختاره الآخرون كمثلهم الأعلى، وكلما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه ذلك الشخص كمثل أعلى.
وهنا تبرز أهمية المشاهير في المجتمع وفي أي حقل من حقوله، كأبطال السينما ولاعبي الرياضة والأنبياء ورجال الدين والمفكرين وغيرهم، كمثل أعلى يقتدي بهم الناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع.
في منتصف التسعينات وقعت شركة نايكي للأحذية الرياضية مع مايكل جوردن لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير عقدا بملايين الدولارات، على أن يظهر من خلال دعاية تلفزيونية وهو يرتدي حذاء نايكي ولمدة بضع ثوان.
تجاوزت مبيعات تلك الشركة من الحذاء في العام الأول بعد بث الدعاية الثلاثة بليون دولارا، وهو رقم قياسيّ في تاريخها.
صاحب محل لبيع الأحذية في شيكاغو قال: في اليوم الأول بعد بث تلك الدعاية تلقيت أكثر من ثلاثمائة مخابرة هاتفية من مراهقين يسألونني إن كنت أقتني حذاء مايكل جوردن.
في البلدان الحضارية التي تحترم إنسانها وتهتم بمثله الأعلى، يضع المجتمع مشاهيره تحت عدسة مجهره ويراقبهم عن كثب، ثمّ يقيّمهم بطريقة قاسية جدا إلى درجة قد دفعت بعضهم إلى القول: لا أريد أن أكون مثلا أعلى فأنا لست إنسانا مستقيما! محاولين بذلك أن يخففوا من ضغوط المجتمع التي يضعها فوق كاهلهم ليكونوا إناسا مستقيمين.
من لا يذكر Rose Pete كأشهر لاعب بيسبوول في تاريخ أمريكا، وكان في زمنه مثلا أعلى لكل شباب جيله.
قرروا أن يصنعوا له تمثالا ويضعوه في متحف المشاهير في العاصمة واشنطن Hall of fame. قبيل ذلك بزمن قصير اعترف، عبر مقابلة وجد نفسه خلالها تحت المجهر، بأنه قامر مرّة في لاس فيغاس على خسارة فريقه، فسقط سقوطا مريعا في تلك اللحظة، وخسر لقبه كـ Hit king وفرصة ليخلد في متحف المشاهير.
يجب على كل مجتمع أن يرى مثله الأعلى داخل كرة من الكريستال، فينقضّ عليه عندما يُسيء إلى دوره، وهذه هي ضريبة الشهرة!
***
......................
يقول المؤرخ والكاتب الأمريكي المبدع DAVID C. MCCULLOUGH : التاريخ هو من نحن وكيف أصبحنا من نحن.
ست سنوات كانت تاريخ آنا، ولم يحمل لها ذلك التاريخ سوى هدير القطار الذي كان يمر على بعد ميل من بيت جدها، ولذلك لم تستطع كمخلوق بشري أن تتجاوز ما قدمه لها تاريخها، فأصبحت من خلال تقليدها لهدير القطار ذلك التاريخ.
***
أما المؤرخ الفرنسي ETIENNE GILSON فيقول: التاريخ هو المختبر الوحيد الذي يُثبت نتيجة الفكرة.
................
منذ أقل من اسبوعين قام رجل يمني يتجاوز الثلاثين من عمره بزواج طفلة لا تتجاوز الثامنة من عمرها على سنة 'الله' ورسوله!
عندما قرأت النبأ في موقع 'العربية' كان هناك أكثر من مائتي تعليق، أدلى بهم القراء من كلّ حدب وصوب.
أجمع كلّ القراء، بلا استثناء، على وحشية تلك الجريمة وانهالوا على مرتكبها بأبشع الشتائم.
***
...........
لو سمعت آنا في عالمها صوتا آخر غير هدير القطار لجاء صوتها مختلفا،
...................
\منقول/
عام 1932 ولدت الطفلة الأمريكية آنا Anna في إحدى قرى ولاية بنسلفانيا النائية كثمرة لعلاقة غير شرعية.
كان جدها، والد أمّها، فلاحا كاثولكيا متعصبا. رفض آنا رفضا قاطعا، ولكي يتفادى رؤيتها بعد أن هربت والدتها وتركتها في رعايته قام بسجنها في إحدى غرف المؤونة القابعة في الطابق العلوي لبيته، والتي لا تحوي أية نافذة باستثناء طاقة صغيرة يدخل منها الهواء وبعض أشعة الشمس.
لم يسمح لأحد برؤيتها، وكان يلقي لها الطعام والشراب وينظف قازوراتها وهي تغط في نومها.
عندما بلغت آنا السادسة من عمرها، وبالصدفة المحضة، اكتشفها بعض المارة فأبلغوا السلطات المسؤولة عن حماية الأطفال في الولاية.
هاجم البوليس بيت الجد وعثروا على الطفلة. لم تكن آنا آنذاك سوى شبحا لا يملك من صفات البشر سوى العظم والجلد.
تلقفها علماء النفس والإجتماع وبدأوا يدرسون حالتها. لم تستطع آنا أن تتفاعل معهم إلا من خلال صوت غريب كان يصدر عنها بين الحين والآخر.
بعد دراسة كافية وافية، اكتشفوا أن ذلك الصوت ما هو إلا صوت هدير القطار الذي كان يمرّ على بعد ميل واحد من بيت جدها مرتين في اليوم، والذي يبدو أنه الصوت الوحيد الذي سمعته خلال حياتها.
تفرغت عالمة نفس أمريكية لدراسة حالة آنا، وحاولت بكل جهدها أن تعيد تأهيل تلك الطفلة، لكن محاولتها باءت بالفشل، وماتت آنا بعد ثلاث سنوات من إكتشافها.
استنتج علماء النفس والسلوك، من خلال قصة آنا والتجارب الأخرى المماثلة، على أن الإنسان لا يولد إنسانا وإنما مخلوقا قابلا للتأنيس.
يتميّز الإنسان عن غيره من الحيوانات بملكاته الجينية التي تؤهله على أن يتبرمج لاحقا من قبل المحيطين به. لكن عندما لا يتم استخدام تلك الملكات، كما في حالة آنا، يهبط الإنسان إلى مستوى أدنى بكثير من مستوى أي حيوان آخر.
كانت آنا في حالتها تلك أدنى سلوكيّا وعقليّا وعاطفيّا من أي حيوان آخر. لم تكن في عامها السادس قد تبرمجت بعد لتعيش حياة البشر، ولذلك فشلت وماتت عندما تطلّب الأمر منها أن تعيش كإنسان.وبهذا اثبتوا ان الانسان لا يولد بالفطره .
***.
..............
منذ آلاف السنين أكد أرسطو على أنّ الإنسان يتعلم الأخلاق عن طريق التقليد، فهو يقلد ما يفعله غيره، ومع الزمن يتحول السلوك عن طريق التكرار إلى عادة متأصلة.
هذا ما أكده أرسطو، ولم يختلف معه أي من علماء السلوك حتى تاريخ اليوم، باستثناء أنهم أضافوا على أنّ الإنسان يتعلم السيّء أيضا، وليس فقط الأخلاق، عن طريق تقليد الآخرين.
أطلقوا على عملية التقليد تلك تعبير Internalization أي 'التشرب'، والذي يعني أن الإنسان يتشرّب قيم الوسط الذي يعيش فيه. يتم معظم التشرب خلال السنوات الأولى من العمر ويستمر حتى آخر يوم منه.
فالإنسان يعيش حياته بكل مراحلها كالإسفنجة التي تمتص محتويات الوسط الذي توجد فيه بخيرها وشرها.
لم تستطع آنا أن تمتص من وسطها سوى صوت القطار، ولذلك عجزت على أن تظهر من معالم إنسانيتها سوى قدرتها على تقليد ذلك الصوت.
ومن خلال دراسة ذلك السلوك بالتفصيل، لاحظ العلماء بأنّ الإنسان يقلد كل من حوله، ولكنه يختار عادة شخصا ما في حياته ويعتبره مثله الأعلى، ثمّ يمتص منه أكثر مما يمتص من غيره محاولا أن يتبنّى شخصيته دون سواها.
تتمّ عملية اختيار المثل الأعلى Role Model ومحاولة تقليده بالوعي أو باللاوعي، وتدعى تلك العملية في علم السلوك Identification أي التقمّص.
كان القطار الكائن الوحيد في حياة آنا، ولذلك لم يكن أمامها من خيار سوى أن تختاره كمثلها الأعلى، ثمّ حاولت أن تتقمص شخصيته بتقليدها لصوته كقيمة وحيدة اكتشفتها فيه.
هناك حقيقة أخرى مثيرة للدهشة توصل إليها هؤلاء العلماء في سياق دراستهم لمفهوم 'المثل الأعلى'، وهي أنه كلما ازدادت شهرة شخص ما كلما ازداد احتمال أن يختاره الآخرون كمثلهم الأعلى، وكلما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه ذلك الشخص كمثل أعلى.
وهنا تبرز أهمية المشاهير في المجتمع وفي أي حقل من حقوله، كأبطال السينما ولاعبي الرياضة والأنبياء ورجال الدين والمفكرين وغيرهم، كمثل أعلى يقتدي بهم الناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع.
في منتصف التسعينات وقعت شركة نايكي للأحذية الرياضية مع مايكل جوردن لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير عقدا بملايين الدولارات، على أن يظهر من خلال دعاية تلفزيونية وهو يرتدي حذاء نايكي ولمدة بضع ثوان.
تجاوزت مبيعات تلك الشركة من الحذاء في العام الأول بعد بث الدعاية الثلاثة بليون دولارا، وهو رقم قياسيّ في تاريخها.
صاحب محل لبيع الأحذية في شيكاغو قال: في اليوم الأول بعد بث تلك الدعاية تلقيت أكثر من ثلاثمائة مخابرة هاتفية من مراهقين يسألونني إن كنت أقتني حذاء مايكل جوردن.
في البلدان الحضارية التي تحترم إنسانها وتهتم بمثله الأعلى، يضع المجتمع مشاهيره تحت عدسة مجهره ويراقبهم عن كثب، ثمّ يقيّمهم بطريقة قاسية جدا إلى درجة قد دفعت بعضهم إلى القول: لا أريد أن أكون مثلا أعلى فأنا لست إنسانا مستقيما! محاولين بذلك أن يخففوا من ضغوط المجتمع التي يضعها فوق كاهلهم ليكونوا إناسا مستقيمين.
من لا يذكر Rose Pete كأشهر لاعب بيسبوول في تاريخ أمريكا، وكان في زمنه مثلا أعلى لكل شباب جيله.
قرروا أن يصنعوا له تمثالا ويضعوه في متحف المشاهير في العاصمة واشنطن Hall of fame. قبيل ذلك بزمن قصير اعترف، عبر مقابلة وجد نفسه خلالها تحت المجهر، بأنه قامر مرّة في لاس فيغاس على خسارة فريقه، فسقط سقوطا مريعا في تلك اللحظة، وخسر لقبه كـ Hit king وفرصة ليخلد في متحف المشاهير.
يجب على كل مجتمع أن يرى مثله الأعلى داخل كرة من الكريستال، فينقضّ عليه عندما يُسيء إلى دوره، وهذه هي ضريبة الشهرة!
***
......................
يقول المؤرخ والكاتب الأمريكي المبدع DAVID C. MCCULLOUGH : التاريخ هو من نحن وكيف أصبحنا من نحن.
ست سنوات كانت تاريخ آنا، ولم يحمل لها ذلك التاريخ سوى هدير القطار الذي كان يمر على بعد ميل من بيت جدها، ولذلك لم تستطع كمخلوق بشري أن تتجاوز ما قدمه لها تاريخها، فأصبحت من خلال تقليدها لهدير القطار ذلك التاريخ.
***
أما المؤرخ الفرنسي ETIENNE GILSON فيقول: التاريخ هو المختبر الوحيد الذي يُثبت نتيجة الفكرة.
................
منذ أقل من اسبوعين قام رجل يمني يتجاوز الثلاثين من عمره بزواج طفلة لا تتجاوز الثامنة من عمرها على سنة 'الله' ورسوله!
عندما قرأت النبأ في موقع 'العربية' كان هناك أكثر من مائتي تعليق، أدلى بهم القراء من كلّ حدب وصوب.
أجمع كلّ القراء، بلا استثناء، على وحشية تلك الجريمة وانهالوا على مرتكبها بأبشع الشتائم.
***
...........
لو سمعت آنا في عالمها صوتا آخر غير هدير القطار لجاء صوتها مختلفا،
...................
\منقول/