~*¤ô§ô¤*~3eYoOn_BghDaD~*¤ô§ô¤*~

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

set by ~*¤ô§ô¤*~7mOdY~*¤ô§ô


    قد افلح من زكاها

    avatar
    dmo3_al7ob


    عدد المساهمات : 9
    نقاط : 5126
    تاريخ التسجيل : 08/12/2010

    قد افلح من زكاها Empty قد افلح من زكاها

    مُساهمة  dmo3_al7ob الخميس ديسمبر 09, 2010 9:32 pm


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً كثيرا.
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
    أما بعد أيها الأخوة المؤمنون فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
    احمد الله واثني عليه، وأشكره جل وعلا أن يسر لهذا اللقاء، وأسأله أن يبارك فيه وأن يتمه على خير وبركة، وأشكركم أيها الأخوة على مجيئكم وحضوركم وأسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم يوم القيامة.
    موضوعنا كما قرأتم بعنوان ضبط النفس، وهذا الموضوع من المواضوعات المهمة جدا، وبخاصة في هذه الأزمان، خاصة في زمن الفتن الذي تكاثرت على المسلمين.
    ولو تأملنا في موضوع ضبط النفس لوجدنا أن القلة من الناس من يتقن هذا الأمر ومن يوفق له، وموضوع ضبط النفس ليس خاصا بفئة دون فئة، بل هو للرجال وللنساء، للصغار وللكبار، للعلماء والدعاة وطلاب العلم وللعامة.
    وإنه بسبب عدم ضبط النفس، وبسبب أنفاذ الغيظ والانسياق وراء الغضب والتصرفات المفاجئة، كم حدثت من محن وفتن سواء على مستوى الخاصة أو العامة.
    فلو جئنا للخاصة مثلا:
    لوجدنا عددا من جرائم القتل أكثرها كان بسبب عد ضبط النفس.
    روي أن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقود رجلا فقال:
    يا رسول الله إنه قتل أبني.
    فقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم): أقتلته؟
    قال نعم. قال ولما؟ قال: كنت أحتطب أنا وإياه، فسبني وشتمني فأهويت بالفأس على رأسه فقتلته. أو كما ورد في الحديث.
    وكثير من جرائم القتل تقع بسبب نزوة شيطان، وبسبب غضب لا يكتم فيه الإنسان غيظه، ولا يضبط نفسه، فيع ما يقع، وعندما تقرءون كثيرا من البيانات التي تتلى عند القِصاص تجدون أن نسبة عظمى من أولئك كانت بسبب شجار أو خصام توصل في النهاية إلي القتل والقتال.
    لو نظرنا إلى داخل البيوت وتتبعنا حالة واحدة وهي حالة الطلاق، ولو سألنا القضاة عن هذا الأمر، وعن أكثر أسباب وقوع الطلاق، لقالوا إنه الغضب، أو نزوة لم بضبط الإنسان فيها نفسه فوقع الطلاق.
    إذا هذه المسألة وهي حالات الطلاق أكثرها يقع لعدم ضبط الخصمين وبالذات عدم ضبط الزوج تصرفاته فيقع الطلاق والعياذ بالله.
    فأقول إن كثيرا من مسائل الطلاق تقع بسبب عدم ضبط النفس، وكثير من البيوت أصابها الخراب والدمار بسبب تصرفات هوجاء كانت تحتاج إلى مسألة واحدة وهي قضية ضبط النفس.
    أما على المستوى العام:
    على مستوى الدعاة، وعلى مستوى طلاب العلم، فلو تأملنا في الواقع المرير لكثير من الدعاة وبخاصة في بعض البلاد الإسلامية، لوجدنا أن من أعظم أسبابها أن الأعداء قد استفزوا أولئك الدعاة الصالحين، فوقع كثير منهم في الاستفزاز، ولم يتمكن من ضبط نفسه، ثم انجرت الويلات تبعا لذلك كالسبحة إذا انقطعت تتوالى حباتها الواحدة تلو الأخرى.
    فموضوع ضبط النفس نحن في أمس الحاجة إليه سواء على المستوى الخاص في داخل بيوتنا ومع أقاربنا ومع أهلينا ومع جيراننا ومع أصحابنا، وكذلك نحن بحاجة إليه على المستوى الدعوة إلى الله جل وعلا.
    نحن بأمس الحاجة إليه وبخاصة في هذه الأيام التي نلحظ فيها كثرة الفتن، وكثرة مراحل الاستدراج، وينصب الفخ لكثير من الدعاة، فقد يقع ، وقد يقعون في ما ينسب لهم من أعدائهم، فمن أجل بيان هذا الأمر وخطورة هذا الأمر نقف هذه الليلة بأذن الله مع هذا الموضوع المهم، وما أشرت إليه من حيث الأهمية ما هو لا نزرا يسيرا يبين أهمية هذا الموضوع.

    * ضبط النفس هو بمعنى كظم الغيظ، ولذلك أثنى الله جل وعلى على الكاظمين الغيظ فقال جل من قائل: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * للَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فالمتقين هنا من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ، فكظم الغيظ وهو أحد معاني ضبط النفس، جنة عرضها السماوات والأرض، ولو لم يأتنا إلا هذه الآية لكفانا بها والله فضلا وشرفا.
    قال القرطبي في معناه:
    كظم الغيظ رده في الجوف.
    يقال كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه.
    وكظمت السقاء أي ملأته وسددت عليه.
    والكظامة ما يسد به مجرى الماء.
    ومنه الكظام للسير الذي يربط به فم الذق والقربة.
    وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه.
    وقد يقال لحبسه الجرة قبل أن يرسلها إلى فيه كظم، وكظم البعير والناقة إذا لم يجترا.
    فكظم الغيظ هو منعه من أن يقع، فنستطيع أن نعرف ضبط النفس بالكلمات التالية:
    فضبط النفس هو منعها من التصرف خطأ في المواقف الطارئة والمفاجئة التي تتطلب قدرا من الشجاعة والحكمة وحسن التصرف.
    وقد أوضحت لكم أن بين كظم الغيظ وبين ضبط النفس ترادف وتشابها، فالذي يضبط نفسه هو الذي يكظم غيظه، وهو الذي يحبس غضبه، وقد ورد أحاديث كثيرة عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فيها بيان فضل كظم الغيظ وبالتالي ضبط النفس وأقرأ عليكم بعضها:
    قال (صلى الله عليه وسلم): (ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا).
    وقال (صلى الله عليه وسلم): (من كظم غيظا وهو قادر أن ينفذه ملء الله جوفه أمنا وإيمانا).
    وقال (صلى الله عليه وسلم): (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء).
    وعنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله جل وعلا).
    وكما أسلفت أن الأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا.

    * مظاهر عدم ضبط النفس:
    كيف نعرف أن هذا الإنسان لم يضبط نفسه؟ هناك مظاهر عدة ودلالات أذكر هنا أبرزها:
    - سرعة الغضب والانفعال، والتأثر.
    حدوث أفعال وردود أفعال لم تدرس عواقبها، نسمع أحيانا أن هناك تصرفات تحدث كرد فعل لم تدرس عواقبها، وهذه هي التي قلت قبل قليل أنها تجر علينا الويلات.
    مثلا قد يؤذى أحد الدعاة، ويطلب منا في هذا المقام أن ننصر أخانا نصرا مؤزرا، (أنصر أخاك ظالما و مظلوما)، لكن ما الذي يحدث بسبب الحماس والانفعال، وبسبب عدم ضبط النفس ؟
    قد يتصرف البعض تصرفات تجر إلى ويلات، وتجر إلى مصائب، وتجر إلى أمور لا تحمد عقباها، وهذا أيها الأخوة يحتاج منا إلى نظر وإلى تبصر.
    وحينما أشير إلى ذلك لا لكونها واقعة ولكنني أتحدث عنها لكي لا تقع، لأن معالجة المرض قبل وقوعه أولى من معالجته بعد وقوعه.
    لنأخذ مثلا واحدا: عند مسجد من المساجد جاء رجال الأمن لمنع بيع أشرطة التسجيل عند المسجد، وهؤلاء الرجال جاءوا ينفذون أمرا قد صدر لهم، فبسبب الانفعال والحماس تحمس بعض الحضور ووقع احتكاك بين رجال الأمن وبين هؤلاء الشباب الذين لا نشك في حماسهم وخيرهم وصدقهم، ولكن ماذا تكون النتيجة؟
    هل هذا التصرف منهم قد منعَ اتخاذ مثل هذه القرارات ؟ لا بل زاد الأمر سوء وجر على هؤلاء الشباب أمورا نحن في غنى عنها.
    هناك وسائل مشروعة نسلكها لإلغاء مثل هذه القرارات، بالكتابة للعلماء، بالاتصال بالعلماء، بالكتابة للمسئولين، والوسائل متعددة ليس المقام لحصرها.
    ولكن أن نستفز بمثل هذه الأمور، هذا ما يريده الأعداء، وهذا ما يتمناه الأعداء، وهذا ما يسعى إليه الأعداء، فردود الأفعال غير المدروسة، يكون لها من الآثار كما وقع في بلاد كثيرة ما لا يخفى على أمثالكم.
    - إطلاق اللسان.
    بالسب أو الشتم أو نحو ذلك كما سمعتم قبل قليل في الحديث الذي رواه البخاري لما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) للرجل أقتلته، قال نعم، قال ولما؟ قال لأنه سبني وشتمني، فلم يتمكن هذا من ضبط نفسه فأهوى عليه بالفأس فقتله.
    كم من البيوت خربت لأن الزوج لا يتمكن من ضبط لسانه فيقع الطلاق، تتصرف المرأة تصرفا خاطىء وقد تثير زوجها بانفعال أو غيره، فأقرب ما يتجه إليه الزوج هو أن يطلقَ لسانه بالطلاق، وأمر الطلاق ليس بالأمر ليسير ولا بالأمر الهين، وكم جاء للعلماء وجاء للمشايخ من يقول إنني كنت بانفعال، أنني كنت مغضبا وطلقت وأنا لا أشعر.
    نعم المرأة تخطئ، والمرأة ضعيفة، لكن كيف نقابل هذا الأمر؟
    هل نقابله بالضرب، أو بإطلاق اللسان، لا.
    اسمعوا إلى هذه القصة لنعرف كيف نقابل مثل هذه الأحداث التي تقع في البيوت:
    كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند عائشة في يوم من الأيام، فأرسلت إحدى زوجاته رضي الله عنهن جميعا طعاما للرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أصلحته بصحفة مع جارية لها.
    فلما جاءت بالطعام والرسول عند عائشة، أخذت الغيرة عائشة رضي الله عنها، تأتي بطعام واليوم يومها والرسول عندها.
    الغيرة شديدة بالنسبة للنساء، فقامت عائشة وأخذت الصحفة وكسرتها وانتثر الطعام، فقام (صلى الله عليه وسلم) يجمع ما انتثر من الطعام ويقول:
    غارت أمكم، غارت أمكم وهو يبتسم (صلى الله عليه وسلم)، وأخذ صحفة جديدة وأرسلها إلى أم المؤمنين بدل ما كسر. الله أكبر ما هذا الأسلوب.
    هل غضب أقل شيء وخرج من عندها ؟
    لم يفعل ذلكح (صلى الله عليه وسلم)، إنما قام هو يجمع ما انتثر من الطعام ويقول غارت أمكم. ويعطي المرأة الأخرى صحفة بدل الصحفة التي انكسرت.
    هذا هو خلق المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو الخلق.
    كم من المتحادثين وبسبب كلمة قالها أحدهم، فرد عليه الآخر حتى تصل أحيانا إلى أن يلعن الرجل أباه وأمه، (قيل كيف يا رسول الله يلعن الرجل أباه وأمه؟ قال يسب أب الرجل فيسب أباه ويسب أمه الرجل فيسب أمه). أو كما قال (صلى الله عليه وسلم).
    إن القلوب إذا تناثر ودها....... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
    فهذه بعض مظاهر عدم ضبط النفس.

    وهنا يأتي أهم باب في هذا الموضوع، فأقول أدركنا من خلال ما ذكرت أهمية ضبط النفس، وضبط الأعصاب، وأن نتصرف التصرفات الحميدة التي نحسب نتائجها قبل أي تصرف.
    كل منا يقول أتمنى ذلك، كل واحد يقول أتمنى أن اضبط نفسي ولكن لا أستطيع، كل منا يقول أريد ن اكتم غيظي ولكن لا أقدر.
    فنقول لا، تقدر بأذن الله، تقدر إذا التزمت بأسباب سيأتي ذكر وبيانها:
    * الأسباب والدواعي المضادة لضبط النفس:
    بعبارة أخرى ما هي العوامل التي تثير الإنسان؟ الحقيقة أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى كون الإنسان لا يضبط نفسه، وكون الإنسان قد يغضب، وكون الإنسان قد يثور، وكون الإنسان قد يستفز وهي أسباب عامة وخاصة، وأذكر هنا أهم تلك الأسباب:
    - تحريش الشيطان.
    ولا شك فالشيطان جاهز، فالشيطان ينزغ في مثل هذه المواقف لأنه يريد أن يُقع المرء في مثل هذه المهلكات من الاستعجال أو التصرفات التي لا تحمد عقباها.
    - استفزاز المنافقين وأعداء الله.
    وقد أشرت إلى ذلك، وهذا يكون بمثل الاستفزازات التي تسمعون عنها في أنحاء العالم الإسلامي من استفزازات الأنظمة، والأفراد سواء بالقول أو الفعل، فهناك استفزازات الآن تجري في الكثير من الدول وفي كثير من البلاد، يتولاها منافقون، ويتولاها علمانيون، وتتولها أنظمة معادية للإسلام لتوقع الدعاة في الفخ، لأن المستعجلين منهم قد لا يصبروا فيستعجلوا ويتحمسوا ولا يضبطوا نفسهم.
    - الإهانات والضربات الموجه للمسلمين.
    وحقيقة أن المسلمون يعيشون في وضع لا يحسدون عليه من الذل والمهانة، وهذا يحتاج إلى شيء من ضبط النفس، والتبصر بالعواقب، والنظر في مآلات الأمور، وعدم جعل هذه الأسباب العامة سببا لهذا الأمر.
    ولو تأملنا كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مكة، وكم مرة يقول الصحابة له (صلى الله عليه وسلم) أنقبل الدنية في ديننا، ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يوجههم بالصبر وبضبط النفس، وعدم التحمس والاستعجال.
    - ارتفاع صوت الباطل وخفوت صوت الحق.
    - تخاذل بعض القادرين على نصرة دين الله من قول كلمة الحق.
    فهناك من القادرين من يستطيع أن يقول للظالم يا ظالم، من يستطيع أن ينصر الدعاة، من يستطيع أن يقف مع المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، ولكنه يسكت ويتخاذل، فما الذي يحدث عندها؟ يأتي بعض الشباب ويتحمسون ولا يستطيعون الصبر ولا التحمل فيتصرفون بعض التصرفات التي تكون نتائجها غير محمودة.
    - إفشاء وتشجيع الفساد بجميع الوسائل.
    وحمايته فهذا سبب من الأسباب التي قد تؤدي إلى عدم ضبط النفس، وإلى الاستعجال أو إلى التصرفات التي قد لا تحمد عواقبها.
    - مضايقة الدعوة والدعاة، مع تشجيع الضد وحماية الضد.
    - الأراجيف والإشاعات.
    وخاصة أن البعض يتعجلون بتصديق هذه الإشاعات، وهذا مسألة يجب أن نأخذ منها بيانا.
    أذكر مثلا: أنه منذ فترة قريبة أوقف بعض الدعاة، فما علم الناس إلا وإعلانات توزع في بعض الأماكن أنه ستكون هناك مسيرة من المسجد الفلاني إلى الإمارة، وبعد التتبع والاستقصاء واهتمام العلماء بهذه المسألة تبين أن طلاب العلم والدعاة ليسو هم من قام بهذا الأمر، وأن هناك أيدي مغرضة تريد الإيقاع بطلاب العلم، تريد الإيقاع بالشباب، وترديد مثل هذه التصرفات التي لا تحمد عقباها.
    فهناك إشاعات وهناك تصرفات تكون مكتوبة أو غير مكتوبة يقصد بها إحداث فوضى، يقصد بها إحداث خلل، يقصد بها إيقاع الطيبين في الفخ، فلننتبه.
    إذا الإشاعات والأراجيف وألاعيب بعض العابثين قد تكون سببا رئيسا في وقوع بعض الأمور التي لا تضاد ضبط النفس.
    - الأحداث المتلاحقة في العالم الإسلامي.
    بعده

    نعم الأحداث التي تجري على المسلمين من التعذيب والأذى والامتهان كما في الصومال والبوسنة والهرسك وفلسطين وغيرها، يجعل بعض الناس قد لا يتحمل، وقد ينفجر، وقد يتصرف تصرفات غير محمودة العواقب.
    - الطبائع الفردية.
    فالناس يختلفون، فهناك من أعطاه الله سعة في الصدر، وتحملا وقدرة على ضبط النفس، وهناك آخرون سريعو الغضب، سريعو الثورة، فأي سبب يقع في بيته قد يطلق معه زوجته، قد يسيء إلى ابنه، وقد يتعدى هذا الأمر إلى ما يتعلق بأمور المسلمين العامة، فبسبب طبيعته المتعجلة، وبسبب طبيعته الشخصية التي لا تتحمل قد يجني على المسلمين ما لا يحمد عقباه.
    إذا هذه اختصار بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى ما يضاد ضبط النفس.
    * وسائل ضبط النفس:
    وسائل ضبط النفس كثيرة جدان وأذكر منها هنا ما يناسب المقام، فأقول مستعينا بالله:
    - العلم حصن حصين.
    نعم فالعلم حصن حصين يمنع من التصرفات الهوجاء، وإليكم الدليل: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
    ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدوة، انظروا كيف كان يتصرف في الشدائد.
    كيف كان (صلى الله عليه وسلم) في الملمات.
    كيف كان إذا استفز ولطالما استفز (صلى الله عليه وسلم) ولم يقبل الاستفزاز.
    ثم انظروا إلة أولئك الذين تحدث منهم ردود أفعال، وغضب ستجدون أن أقل نسبة في هذا هم العلماء.
    فالعلم شرف، والعلم حصانة، والعلم مانع بإذن الله من الوقوع في مثل هذه الأمور:
    ما الفضل إلا لأهل العلماء إنهمو ........... على الهدى لمن استهدى أدلاء
    العلم أولا بعاقبة عدم كظم الغيظ، وبعاقبة كظم الغيظ أيضا، العلم بمائلات الأمور، العلم بفضل كظم الغيظ، بعض الأحاديث التي ذكرتها قبل قليل قد يكون عدد منا يسمعها لأول مرة، وقد يكون مضى من عمره ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة.
    إذا عندما نتعلم، ومن العلم الذي نتعلمه فضل كظم الغيظ، هذا يكون مساعدا لنا، وقد سمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جُرعَة، نعم تجرّع كما يتجّرع البعير، فأنتم ترون البعير يتجرعها أولا ثم يعيدها مرة أخرها، فكذلك ضبط النفس وكظم الغيظ وكأن الإنسان يبلعها.
    وقد ترون بعض العامة أحيانا حينما توجه له إهانة فيقول بلعتها، أي لن أظهرها ولم أتعدها، فكذلك في الأحاديث سمها رسول (صلى الله عليه وسلم) جرعة يتجرعها الإنسان.
    فالعلم حصانة بإذن الله من الوقوع في الغضب أو آثاره.
    - تحري الحكمة.
    نعم أن نتحرى الحكمة: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). واقرءوا سورة لقمان (ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)، فالوصايا التي أوصى بها ابنه تدل على عقل وعلى حكمة وعلى بعد نظر: ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
    والحكمة هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، فضبط النفس هو الحكمة، فهذا الذي نريده أن تفعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي وكما ينبغي.
    فمن تحرى الحكمة هدي إليها: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، فإذا كنت تتحرى الحكمة في أفعالك، وفي تصرفاتك فأطمئن فستوفق إليها: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ).
    - رجاحة العقل.
    مما يمنع من التصرفات التي لا تحسب نتائجها رجاحة العقل والرزانة، ولذلك يقول الله جل وعلا: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب)، ومما ورد في أهمية العقل ما قال بعض الشعراء:
    فالعقل أيها الأخوة مرآة ومانع من الوقوع في المحظور.
    - ضبط اللسان.
    يقول (صلى الله عليه وسلم) أمسك عليك لسانك، ولما قال له معاذ رضي الله عنه: إن يا رسول الله مآخذون بما نتكلم؟ قال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
    وقال (صلى الله عليه وسلم) وقد أمسك بلسان نفسه: كف عليك هذا.
    ودخل عمر رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو آخذ بلسانه يجره، وكأنه يريد أن يقلعه، قال له يا أبا بكر حسبك، قال هذا الذي أوردني الموارد.
    أبو بكر الصديق يقول عن لسانه هذا الذي أوردني الموارد، ماذا نقول نحن عن ألسنتنا، فالمحافظة على اللسان وضبط اللسان مما يمنع من التصرفات التي لا تحمد عقباها.
    فالمحافظة على اللسان وضبط اللسان سبب لضبط النفس بل هو جزء من ضبط النفس.
    - التجرد لله جل وعلا.
    وهذا سبب أوجهه لأحبتي من الدعاة ومن طلاب العلم بصفة خاصة.
    وللأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
    وللقائمين بحدود الله.
    التجرد من حظوظ النفس فعند التأمل والتحقيق قد يكون الغضب ليس لله، كيف؟
    كم من الناس يغضبون ثم يتصرفون ثم يقولون غضبنا لله، ولو درسنا المسألة دراسة حقيقة مجردة لثبت لنا أنه في الحقيقة لم يكن الغضب لله، بمعنى أنه قد يكون أصل الغضب لله نعم.. مثلاً:
    قد تأتي لإنسان فتقول له قم للصلاة جزاك الله خيرا، فيتلفظ عليك بكلمات، فقد لا تحتمل أعصابك فتصرف إما بالضرب أو بالشتم أو بغير ذلك. نعم يحدث هذا، وعندما يقال لك لماذا هذا التصرف؟ تقول إنني غضبت لله.
    تأمل أخي الكريم، تأمل أخي الداعية أأنت غضبت لله أم غضبت لنفسك؟
    كثير من الناس يقع في هذا البلاء وقد غضب لنفسه ولم يغضب لله جل وعلا، صحيح أنه كان يأمر بالأمر بالمعروف، صحيح أنه كان ينهى عن المنكر، وكان أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لله، لا نشك في ذلك، لكن ما حدث بعد ذلك من ثورة وغضب وفوران وتعدي لم يكن لله جل وعلا، ولكن لأن هذا الشخص أساء إليك فغضبت لنفسك.
    فالتجرد من حظوظ النفس وهو أمر لا يقدر عليه إلا من أعطاه الله قوة وعزما: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
    فأقول أن نتجرد لله جل وعلا وأن يكون غضبنا لله لا لأنفسنا، ولو تأملنا وأخذنا الأمور بهدوء وناقشنا أنفسنا بعد ذلك، لوجدنا أن الغضب الذي كثيرا ما يحدث م يكن أثره غضبا لله وإنما هو لحظ النفس.
    إذا فالتجرد من حظ النفس يعين على ضبط النفس بإذن الله.
    - التربية الجادة وحسن الخلق.
    وهنا كلمة للآباء والأمهات، وإلى المربين بصفة خاصة بالتربية على التحمل، ربوا أبناءكم، ربوا تلاميذكم على تحمل الإساءة من الآخرين، إننا لا نستغرب الإساءة من الآخرين، ولكننا نستغرب ردود الأفعال من الصالحين.
    يقول (صلى الله عليه وسلم): (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن). فالتربية الجادة، والتربية الصالحة تؤدي بإذن الله إلى ضبط النفس.
    وأشير هنا إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يشجع أصحابه على ضبط النفس، قال لأشج عبد قيس: (إن فيك خصلتين يحبوهما الله جل وعلا؛ الحلم والأناة).
    فالحلم كما سيأتي بعد قليل كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يربي على ذلك، والتربية على التصرف في الأزمات مما يساعد على التخلص من هذا البلاء.
    - معرفة مآلات الأمور.
    من أعظم الأسباب التي تمنع من التصرفات الخاطئة معرفة عواقب الأمور، وإتقان قاعدة المصالح والمفاسد، الله جل وعلا يقول للصحابة:
    ( ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )، إذا كان سب الأصنام سيؤدي إلى سب الله جل وعلا، فلا تسبوا الأصنام، هذه قضية نغفل عنها.
    الرسول (صلى الله عليه وسلم) جاء ليحطم الأصنام وجاء لينقل الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة الله، ومع ذلك نجد أن الله ينهى الصحابة من أن يسبوا الأصنام، لماذا؟
    لأن سب الأصنام يؤدي إلى أن المشركين يسبون الله جل وعلا.
    فالمعرفة بمآلات الأمور أمر عظيم جدا.
    معرفة النتائج أمور مهم جدا، الآن قد يأخذنا الأنفال بتصرف أهل السوء تصرفات هوجاء، ومع زحمة الانفعال والغضب والغيرة على دين الله وعلى محارم الله قد نتصرف ولا نعرف ماذا سيترتب على ذك، ونحن يجب أن نكون أكثر حكمة.
    وإليكم هذا المثال:
    قصة أصحاب القرية التي وردت في سورة ياسين:
    أرسل الله جل وعلا لقرية رسولين، ثم عزز بثالث، فقالوا إنا إليكم مرسلون، ودامت القصة بين أهل القرية وبين الرسل، وفي آخر المطاف قال أهل القرية، لأن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم، هذه نهاية القصة.
    فجاء رجل مؤمن، انظروا كيف يتم ضبط الأعصاب، انظروا كيف التصرف في المواقف الحاسمة: ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى)، ماذا سيفعل هذا الرجل؟
    أهل القرية يهددون الرسل، أهل القرية يعلنون الشرك علانية، انتبهوا معي بدقة إلى أصل القصة، مشركون بالله ويستهزؤن بالرسل، يعلنون أنهم سيعذبونهم وسيقتلونهم، ويأتي الرجل يسعى ماذا سيفعل؟ ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).
    أرأيتم الأسلوب، أريتم ضبط الأعصاب، أرأيتم كيف التصرف في مواقف الشدة، يقول يا قومي، بأحب الألفاظ إليه، وكان المتوقع بحدود فهمنا القاصر أنه مادام هؤلاء يهددون الرسل ويؤذنهم ويريدون أن يقتلوهم أن يأتي هذا ويلتحم بمعركة مع هؤلاء المشركين، لا، بل يقول بأحب الألفاظ إليهم: ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
    هل ستواجهون منكرا أعظم من هذا؟ أي منكر رأيتموه لن يكون أعظم من منكر أهل القرية، لأن أهل القرية مشركون كفروا بالله، هددوا الرسل، استهزئوا بالله، ومع ذلك يأتي هذا الرجل ويقول هذه الكلمات الهادئة، هذه الكلمات العاقلة، هذه الكلمات المطمئنة، ويثني الله جل وعلا عليه في نهاية القصة Sad قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).
    فإذا رأيتم منكرا لا نقول لا تغيروه، كلا وحاشا، ولكن ضبط الأعصاب مطلب شرعي لنعرف كيف نتصرف.
    إذا اللهَ الله بالحلم وتدريب النفس على ذلك، الحلمَ الحلم، وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، وقدوتنا في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
    روى أنس أن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجذبه من عنقه قال يا محمد أعطني من مال الله، يقول أنس حتى رأيت أثر الجذبة بين رقبة وحتفه (صلى الله عليه وسلم)، ماذا فعل (صلى الله عليه وسلم)؟ تبسم وأعطاه حتى أرضاه. حلم عجيب ولا عجب فهو رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
    يوسف عليه السلام:
    تصوروا أن إخوانه الذي آذوه، وألقوه في البئر حتى سيق مملوكا، واشتري بثمن بخس، وسجن سنوات طويلة، ثم بعد ذلك يصبح عزيز مصر، فلما جاءت قصة أخيه قال أخوته:
    ( قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)، ماذا يقصدون ؟
    يقصدون يوسف عليه السلام، هذا الذي أذوه وأهانوه وهو الآن عزيز مصر، ماذا فعل يوسف؟ وانظروا إلى ضبط النفس:
    ( فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ).
    حتى ما أراد أن يجرح مشاعرهم بهذه الكلمة، نعم حتى كلمة (أنتم شر مكانا) ما نطقها بل قالها سرا في نفسه،مع أنه وهو في موقعه عزيزا لمصر يستطيع أن يأخذهم وأن يعاقبهم وأن يعذبهم وأن يقتلهم، لكن مجرد أن يجرح مشاعرهم مع أنهم أذوه من قبل، بل وإلى الآن هم يجرحون مشاعره عندما قالوا: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)، يتهمونه بالسرقة أيضا رغم أنه لم يسرق عليه السلام، وإنما هي تهمة لُبّست عليه وهو صغير، ومع ذلك لم يرد عليه السلام أن يجرح مشاعرهم، وهذا والله هو كظم الغيظ مع القدرة على التنفيذ، مع القدرة على المعاقبة.
    عندما كان عليه السلام صغيرا وأخذوه وألقوه في البئر لم يكن يملك من أمره شيئا، ولكن الآن هو عزيز مصر ولو أراد أن ينتقم منهم لفعل، ولكن ليست قصة انتقام، بل حتى أن يجرح مشاعرهم بكلمة واحدة لا يريد.
    الأحنف وهو سيد قومه يقال أنه إذا غضب غضبَ له مائة ألف لا يسألونه فيما غضب، لكن متى يغضب الأحنف؟ قيل له ممن تعلمت الحلم؟:
    قال تعلمته من قيس ابن عاصم حيث كان يوما جالسا مع أصحابه في مجلسه، فجاءوا له برجل مقيد يرسف بالحديد، وقالوا له: هذا أبن أخيك قتل ابنك.
    فالتفت إلى أبن أخيه وقال: يا ابن أخي أقتلت ابن عمك وأسأت إلى لرحمك، وأثمت نفسك.
    ثم التفت إلى ابنه وقال قم أطلق سراح ابن عمك، وأدي الدية إلى أمك، وجهز أخاك ثم آذنا بعد ذلك، واستمر في مجلسه، نعم لم يتحرك من مجلسه. الله أكبر.
    ميمون ابن مهران:
    كان جالسا مع أصحاب في مجلسه، فجاءت الجارية تحمل مرقة حارة لتقدمها لهم، فعثرت وسقطت المرقة على ميمون ابن مهران، فغضب غضبا شديدا، وكاد أن يعاقبها.
    فقالت له حسبك، ألم تسمع إلى قوله تعالى: (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فكظم غيظه.
    قالت ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) قال قد عفوت عنك.
    قالت: (َاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال أنتي حرة لوجه الله جل وعلا.
    الحلم أيها الأخوة زين ومن زينة الرجال:
    - الأعراض عن الجاهلين.
    وهذا مما يساعد على ضبط النفس، يقول جل وعلا:
    ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، ويقول: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)، ويقول: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً).
    ومرة أخرى كان الأحنف يسير إلى مجلسه، وورائه رجل يتبعه ويسبه ويشتمه، فلما قرب الأحنف من بيته وقف وقال لهذا الرجل الذي يسبه ويشتمه، وكان يجري خلفه منذ مسافة، قال له يا أخي اعطني ما بقي عندك، أكمل السب والشتام، فأستغرب الرجل فقال لماذا؟
    قال أخشى أن أدخل إلى حارتي وأنت تسبني فيراك سفهاء قومنا فيؤذوك وأنا لا أريد أن يؤذوك، فأطرق الرجل حياء وانصرف.
    فالإعراض عن الجاهلين منهج يؤدي إلى ضبط النفس.
    - دفع السيئة بالحسنة.
    يقول تعالى: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
    ويقول (صلى الله عليه وسلم): ( اتق الله حث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن).
    - الاستشارة.
    نعم مما يعين على ضبط النفس الاستشارة فيما يجب اتخاذه من المواقف الطارئة والمفاجئة والاستعداد لذلك: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
    ولكن ما معنى أن نتشاور؟
    هو أن نقول نتوقع أن يحدث كذا، واحتمال هذا اليوم أن يستفزنا أحد، واحتمال عند وقوع هذا الأمر أن يحدث كذا، ماذا تنصحونا ؟
    فنتشاور عن الحدث قبل وقوعه، فإذا وقع وإذا نحن قد قلبنا النظر، وإذا نحن قد استشار بعضنا بعضا، فنعرف كيف نتصرف، أما إذا أقدمنا دون استشارة فقد يكون أحدنا يرى الحسن خطأ والخطأ حسن: ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ).

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 9:02 am